الأربعاء، 23 نوفمبر 2011


ثروة ثمينة يمتلئ بها القرآن الكريم من قوانين عظيمة وقواعد متينة في التعامل مع الآخرين ، والتي يجب على المسلمين العمل بها والحرص على تطبيقها لتحقيق العمل بكتاب الله أولا ثم للحصول على السعاة والفلاح والتوفيق في الدنيا والآخرة ؛

ومن ذلك ما افتتح الله به سورة المطففين بقوله سبحانه وتعالى :

"  ويل للمطففين ، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون "  المطففين: ١ – ٣

هذه الآيات وإن كانت صريحة في التعاملات المالية  في الميزان والمكيال غير أن التطفيف يشمل جوانب التعامل الأخرى الحسية والمعنوية .

فويلٌ للمطففين أياً كان تطفيفهم ؛ لأن التطفيف ظلمٌ وبخسٌ للناس أشياءهم ، وأكلٌ لأموالهم بالباطل وجرحٌ للنفوس ، وتأليمٌ للقلوب ، وزرع للشحناء والبغضاء ، وتوسيع لدائرة الفرقة والشقاق .

وويلٌ للمطففين وإن كان تطفيفهم فيما يبدو لهم طفيفا ، فالتطفيف القليل منه كثير ، وقليله لا يقال له قليل .

فكما أنه ويلٌ للمطففين في التعاملات المالية فكذلك المطففين في العلاقات الاجتماعية والقضايا الفكرية والأمور المعنوية .

فالمطففون من الأزواج الذين يحرصون على كامل حقوقهم من زوجاتهم ويستهينون بترك وجباتهم نحوها بل يتعد بعضهم إلى ظلمهن يدخلون في الوعيد ولا شك .

 وكذلك الزوجات اللواتي يثقلن كواهل أزواجهن بطلباتهن دون أي مراعاة لظروفهم مع تقصير واضح في واجباتهن نحوهم .

والمطففون من الآباء الذين يطالبون أبناءهم بالبر الكامل المادي والمعنوي وهم أبعد الناس عن القيام بواجبٍ نحو الأبناء .

ومن الأبناء الذين يزعجون آباءهم بطلباتهم ثم لا يراعون برهم ولا ينتبهوا لحق الوالدين عليهم .

 وويل للمطففين من الجيران الذين يرفعون عقيرتهم بالشكوى من جيرانهم ولا ينظرون إلى ما يقومون به هم وأولادهم من أذية وإساءة لجيرانهم .

ومن الموظفين الذي يكثرون التبرم والشكوى من الوضع وممن يديرهم ولا تجد عندهم حرصا على العمل ولا انضباط ولا قيام بالمهام على الوجه المطلوب .

ومن المدراء الذين يجيدون المطالبة بالواجبات ممن تحتهم ويتساهلون ولا يبالون بحقوق تلك الشريحة .

ومن أسوأ الناس تطفيفا أرباب الأموال والأعمال الذين يهضمون حق الأجير والعامل المسكين فيطلبون منه بذل أقصى جهد ولا يؤدنه حقه من الأجرة إلا بعناء أو مماطلة أو ينقصون منها ،
وبالمقابل تطفيف بعض العمال حيث يبالغون في الأجرة بما هو أكثر مما يستحق العمل ويغشون في أعمالهم مع إلحاح وإزعاج في طلب الأجرة . 

وويل للمطففين من الدعاة الذين إذا ذكروا جماعتهم أو مشايخهم يستوفون وإذا ذكروا غيرهم ينقصون .

ومن الكُتاب والصحفيين الذين إذا ذكروا ما يحبون ويوافق هواهم يستوفون ويبالغون وإذا مروا بما لا يروق لهم ولو كان حقا ينقصون بل يتجاهلون .

وذهب الشيخ السعدي - رحمه الله - إلى أنه يدخل في عموم الآية التطفيف في المناظرات بالحجج والمقالات فإنه كما أن المتناظرَين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ما له من الحجج ، فيجب عليه أيضا أن يبين ما لخصمه من الحجة التي لا يعلمها ، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو ، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه ، وتواضعه من كبره ، وعقله من سفهه ، نسأل الله التوفيق لكل خير)[1]
ومما لا بد من الإشارة إليه هنا أن التطفيف سُمّي تطفيفا لأنه يكون في الشيء الطفيف الذي لا يهتم به الناس لقلته وخفائه ، فخمسين جرام مثلا لا تؤثر في ظاهر ألف جرام غير أن الأمر " وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم " النور 15 ،  وكذا رُبّ كلمة تطفيف تنسف حقا وتقيم باطلا وصاحبها لا يعبأ بها ، فكيف بما هو أعظم وأظهر في الأموال والأعراض .

نسأل المولى الكريم أن يهدينا إلى أحسن الأقوال والأعمال والأخلاق
وصلى الله على محمد وعلى آل محمد
والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق